المدونة / الإبداع أكثر أهمية من محو الأمية
الإبداع أكثر أهمية من محو الأمية

أُضيفت في : الجمعة 17-05-2019

الإبداع أكثر أهمية من محو الأمية

 

أعكف هذه الأيام على إعداد دراسة مسحية في التنمية البشرية. وكان أول ما اكتشفته أننا لا نعاني فقط من الأمية الإدارية، بل إننا نسير على الطريق الخطأ في التربية والتعليم والتدريب والتطوير وإدارة التغيير وكل أشكال الاستثمار البشري. تشير نتائج الاستقصاءات الأولوية إلى أن 96% من العاملين في مؤسساتنا يتمنون لو كانوا اختاروا مهنة أخرى، وأن 60% يودون لو أنهم درسوا تخصصا آخر، و45% لا يحبون وظائفهم، و52% من مديري الموارد البشرية يرون أن العائد من التدريب يقل عما يستثمر به، و28% فقط من الموظفين يحصلون على تدريب موجه يتناسب مع وظائفهم، و5% فقط من المديرين يهتمون بتدريب موظفيهم الذين يعترفون بأن نسبة الفائدة النظرية والعملية المتحققة من ذلك التدريب لا تتجاوز 50%.

المفارقة العجيبة التي لاحظتها هي أننا عندما نسأل موظفا ما عن تعليمه، يبادر بفخر واستعلاء إلى ذكر مدرسته وجامعته وشهادته، أما عندما تكون وظيفته "معلما" فإن وجهه يحمر خجلا وهو ينطق بوظيفته. فكيف تكون الشهادات مدعاة للتفاخر وهي نتاج نظام تعليمي يدعو للخجل!؟ أليس هذا مؤشر واضح على موطن الخلل!؟ 

الملاحظة الثانية هي أن كل مناهج التعليم تتشكل بهرمية نمطية فوقية. حيث نجد الرياضيات والعلوم على قمة الهرم التعليمي، تليها اللغات، ثم العلوم الإنسانية، وتأتي الفنون دائما في الأسفل. وهناك تمييز عنصري بين الفنون التي تأخذ أيضا شكلا هرميا. حيث يأتي الرسم قبل الموسيقى، ويأتي الاثنان قبل الرقص والدراما والسينما. أما فنون الرياضة البدنية فالكل يدخل ملاعبها دون أن يتعلمها

أتلاحظون؟ الأقدام التي تحولت إلى وسائل لنقل الرؤوس تأتي في الأسفل. تليها الأيدي التي تكتب وترسم وتعزف، تعلوها الأفواه التي تغني وتقرأ وتنشد، ثم العيون التي تصور. ويتصاعد اهتمامنا بأبنائنا حتى يصل إلى الدماغ الذي عندما نغرق في التخصص نقسمه إلى قسمين، لينصب تركيزنا مرة أخرى على النصف الأيسر (الرياضيات والعلوم). مع أن الخبراء وعلى رأسهم "دانييل بينك" في كتابه الأخير: "العقل الكامل الجديد" يؤكد أن ما سيحكم العالم هو النصف الأيمن، ومع أن "بيكاسو" يقول: "كل الأطفال يولدون فنانين، المشكلة هي أن نبقى فنانين ونحن نكبر". 

نظامنا التعليمي عقيم ويحتاج إلى تطعيم. فكل ما يسعى إليه هو تخريج طلاب من المدارس ليدخلوا الجامعات، وتخريج طلاب جامعيين غير متعلمين، أو متعلمين غير عاملين، أو عاملين غير منتجين. لماذا؟ لأنهم تعلموا وفق هرم التعليم التصاعدي. الأذكى والأكثر حفظا والأوفر حظا، يأتي في الأعلى، والموهوب وعلى أمره مغلوب يبقى في الأسفل. وهذه بعض خرافات ومفاهيم المديرين والتربويين والتنموين حول المواهب

الخرافة الأولى: يرى المديرون ومنظرو التنمية البشرية أنه يمكن تبادل الموظفين بين الإدارات، لأنه باستطاعة أي موظف القيام بأي عمل حتى لو عين بالواسطة. والحقيقة الجلية هي أن هؤلاء يفشلون وإن عملوا في مجالات تخصصهم. فمن لا يتناسب عمله مع موهبته تتحكم به نقاط ضعفه، بدلا من أن يمكن (بضم الياء وتشديد الكاف) مواطن قوته. 

 

الخرافة الثانية: ويرى المديرون أن المهارات والمعارف والخبرات أهم من المواهب، فيضعون قائمة بالمؤهلات المطلوبة لوظيفة ما، وعلى رأسها الشهادات وبرامج التدريب التي تحتاجها الوظيفة. والحقيقة هي أن المؤهلات العلمية والمعلومات الأكاديمية أقل أهمية من المواهب الفطرية في نجاح العمل.

الخرافة الثالثة: تقول بأن الموظف يستطيع أداء أي عمل إذا حصل على الفرصة والتدريب اللازمين. وهكذا يتحدى المديرون موظفيهم ويدفعونهم لأداء مهام لا قبل لهم بها، مما يؤدي إلى الفشل في النهاية. والحقيقة هي أن على الرؤساء تكليف المرءوسين – فقط - بالمهام التي يتفوقون ويتميزون بها، دون سواها. مما يعني وضع الموظف المناسب في المكان المناسب على أن يتمتع بمواطن القوة والمواهب والرغبات المناسبة والدافعة لحب العمل. لكن هذا يتطلب قلب هرم التعليم رأسا على عقب. والرافعة التي ستقلب هذا الهرم المهزوز تسمى "التمتين". 


 

نسيم الصمادي

www.edara.com
smadi@edara.com